«التفاعل والتعدد الثقافي ضروري للتعايش بين العرب والإسبان»
ARISTÓTELES MORENO
أرسطو مورينو
15 / 06 / 2023 , 20:22
يعمل المُنتدى الثقافي العربي الإسباني، الذي يرأسه عبدالوهاب التونسي، منذ أكثر من ثماني سنوات في إسبانيا، على تعزيز الروابط الثقافية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط
في أيلول / سبتمبر 1974، دخل شاب أردني من أصول مغاربية مسجد قرطبة لأول مرة. قبل عامين فقط كان قد وصل لتوه إلى مدريد قادماً من عمّان لدراسة التصميم والديكور. حينها نظمت أسقفية المدينة، برئاسة خوسيه ماريا سيراردا، أول مؤتمر إسلامي مسيحي جمع في العاصمة القديمة للأندلس ممثلين عن الديانتين الكبيرتين الموحدتين على هذا الكوكب. كانت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك تتنفس من خلال رئتي المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي أحدث ثورة في أسس مؤسسة راسخة في التقاليد على العالم الحديث والمسكونية (الدعوة إلى الوحدة)
مسيحيون ومسلمون من البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط تعانقوا في أرض تاريخية، التي عانت منذ قرون من الطرد والانقسام وسوء الفهم. في ذلك اليوم صلوا معاً في معبد قرطبة التاريخي. أولا في الكاتدرائية ثم في المسجد. كانت أول صلاة إسلامية تقام في العاصمة الأموية منذ 738 عاماً. وهناك كان عبدالوهاب التونسي. «كان حدث لا يوصف»، يقول في محادثة هاتفية مع جريدة كوريو الخليج (بريد الخليج العربي) من مقر إقامته في مدريد. «كان لدي نفس الشعور الذي شعرت به عندما كنت طفلاً عندما كنت أصعد درجات المدرج الروماني بجوار منزلي في عمّان. كنت ألمس الحجارة الرومانية القديمة والآن ألمس الحجارة الأندلسية القديمة»
تلك اللحظة التي جمعت بين ديانتين عالميتين في نهاية حكم » الجنرال فرانكو»، ترافقه دائماً. «لقد سمحت لي أن أفهم منذ اللحظة الأولى ما كانت عليه إسبانيا الأندلسية»، يشرح السيد التونسي فيما يتعلق بحضارة الأندلس التي تطورت في شبه الجزيرة الإيبيرية بين عامي 711 و 1492، وانتهت بغزو مسيحيو الشمال آخر بقايا الأندلس في غرناطة
وبعد نصف قرن تقريباً، يترأس عبدالوهاب التونسي المُنتدى الثقافي العربي الإسباني (ثــيار)، ومقرها مدريد، وشجعه جزئياً ذلك اللقاء التاريخي في مسجد قرطبة. هذه الجمعية الاهلية بالكاد تبلغ من العمر ثماني سنوات ونصف. كان ذلك في أعقاب الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008 عندما فكر السيد التونسي المشاركة في منظمة ثقافية. انضم إلى جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا وتعاون مع بعض أنشطتها
بعد فترة وجيزة، نشاء المُنتدى الثقافي العربي الإسباني، الذي يضم المستعربين مثل خوان مارتوس كيسادا أو الصحفية نور العربي في الهيئة الإدارية. «أردنا التركيز على التعددية الثقافية وتفاعلها كمفهوم ضروري للتعايش والتفاهم بين العرب والإسبان»، يقول عبدالوهاب، الذي يؤكد بأن إسبانيا في السياق الأوروبي تتمتع بميزة إضافية بسبب تراثها الإسلامي التاريخي من الأندلس. ويشير إلى أنه «ليس فقط لما لديها من الإرث الأندلسي الأثري الذي تمتلكه، ولكن أيضا للبصمة الثقافية العربية الإسلامية في العادات أو فن الطهو على سبيل المثال»
بالنسبة لعبدالوهاب التونسي، فإن تلاقي الثقافات هو قيمة أساسية يجب أخذها في الاعتبار. ونفس التمازج التاريخي الذي اكتشفه في إسبانيا عندما وصل، كان ينظر إليه بالفعل في عمّان مسقط راسة، التي تتمتع بتراثها اليوناني الروماني بوزن لا جدال فيه. «كعَمّاني ولدتُ على بعد 300 متر من المدرج الروماني وبالقرب من معبد هرقل، كان لذلك أثر كبير علي. عندما كُنت صغيراً، كُنت اشاهد الأفلام الرومانية واذهب مع أصدقائي لتكرار نفس المشاهد على المدرج. وهذا أكيد يحدث الشيء نفسه لأي إسباني ولد بالقرب من معلم تذكاري من الفترة الأندلسية»، يقول رئيس ثــيار
يقول السيد التونسي: في الواقع أي إسباني يظهر «جلده الأندلسي» بمجرد إجراء محادثة معه وتخدش قليلاً في داخلة. ويؤكد: «لقد كانت حقبة من 800 عام». ومن الطبيعي أن يبقى هذا التراث على الرغم من وجود العديد من المحاولات «لمحو آثاره». ويضيف: «من المنطقي أن المُنتصر يريد القضاء على بصمة العدو»، كما يقول فيما يتعلق بالتوتر العسكري والسياسي بين الممالك المسيحية في الشمال والأندلس التي وأكبت العصور الوسطى في شبه الجزيرة الإيبيرية
لكن البصمة لا تزال موجودة، كما يتذكر هذا الكاتب. ويستشهد بالأصل الإسلامي لمدريد، التي أسسها أمير قرطبة محمد الأول في القرن التاسع، كمثال على الحقيقة التاريخية التي لا جدال فيها، والتي أرادوا التستر عليها لقرون. «مدريد هي المدينة الأوروبية الوحيدة التي أسسها عربي مسلم أندلسي. منذ سنوات لم يكن أحد يعرف هذا، وهذا يدل على أنه لا يمكن التلاعب بالتاريخ. وقد فشلت كل محاولات محوه»
يعتقد رئيس ثــيار أنه لا تزال هناك قطاعات تحاول التلاعب في التاريخ الأندلسي لإسبانيا. «أولئك الذين يفكرون بشكل أحادي الثقافة لا يريدون الاختلاط بالثقافات الأخرى. وهذا منطق التعصب، أي عدم الاعتراف بأن جزءاً من ثقافتهم موروث من ثقافات أخرى». هذا هو أحد الأسباب وراء أنشطة ثــيار. «لا يمكن لأي شعب أن يدعي الانتماء إلى ثقافة واحدة. اليوم العالم مُنفتح جداً. المعلومات التي لدينا هائلة، بفضل الصحافة والإنترنت، وكما يقال في الثقافة العربية، «لا يمكنك تغطية الشمس بغربال»
الهدف من الجمعية التي يرأسها عبدالوهاب التونسي هو «تعزيز» الروابط بين الثقافة العربية والإسبانية، وتسليط الضوء عليها وخلق روابط جديدة. من المنظور العربي، هناك ظاهرة مُتبادلة من عدم معرفة واقع العالم الإسباني. «يحدث ذلك أيضاً في العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بإسبانيا الحديثة اليوم. عندما يذكرون إسبانيا، يتبادر إلى ذهن الكثير منهم الأندلس. هذا ليس سيئاً، لكنه مفهوم رومانسي. فقط يجب أن نضع في اعتبارنا أنه كان وقتاً ازدهرت فيه الثقافة العربية الإسلامية خارج حدود العالم العربي»
في رأي السيد التونسي، إسبانيا اليوم يجب رؤيتها من خلال «قوتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية» وهو مُهم للغاية، وتتمتع إسبانيا بتقدير وافر في العالم. كما أن لها خصوصية كونها دولة تقع جغرافياً بين ثقافتين تتقاربان في البحر الأبيض المتوسط. ويروج ثــيار لأجندة رائعة من الأنشطة، على الرغم من محدودية موارده المادية والبشرية
رئيس ثــيار مُقتنع بأن صعود الأصولية الإسلامية في بداية الألفية الثالثة قد أضر بنظرة العالم إلى العالم العربي. ويعترف قائلا: «كان هناك جرح ينزف يؤلمنا كثيراً». «التفكير المُتعصب للإسلاميين أدى إلى ربط ما هو عربي وإسلامي بالعنف في أوروبا. ومن الظلم أن يصفوننا بذألك لعمل قلة من الأصوليين الذين يرتكبون أعمال وحشية ضد الإنسانية. يجب على الأسرة البشرية أن تعيش في سلام وأن تتفهم بعضها البعض»
ومع ذلك، يعتقد رئيس ثــيار أن الموجة العنصرية قد هدأت. يقول: «اليوم تم التغلب عليها بالفعل». «هذه الآفة التي عانينا منها وعواقبها قد ضعفت بالفعل.» وكرد فعل على سلسلة الهجمات في جميع أنحاء العالم، وقع العديد من العرب والمسلمين الذين يعيشون في الغرب ضحية لهجمات الإسلاموفوبيا. «لقد عانيت منها اثنين فقط. عندما سلمت بطاقتي إلى أحد البائعين، وقراء اسمي العربي ردها لي بعنف. ومرة أخرى، بينما كانت ترافقنا انسة مُحجبة جاءت إلى لزيارة إسبانيا، قال راكب دراجة مر بنا: «اخلعي هذا الهراء الذي تحملنه على رأسك»
مضى على وجود عبدالوهاب التونسي في إسبانيا نصف قرن. عندما وصل في عام 1972 لدراسة التصميم والديكور، حينها لم يكن يعرف كلمة واحدة من الإسبانية. لم يسبق لي أن ركبت «المترو» قطار الأنفاق. لا يزال يتذكر اليوم الذي وطأة فيه قدمه مدريد. «كان رائعاً! لن يتم محوها أبداً، أتذكر أول فنجان قهوة بالحليب الذي تناولته»، كان شقيقه الصيدلي محمد عدنان، الذي يكبره بأربع سنوات، داعماً حاسماً في خطواته الأولى في أوروبا
بعد أشهر من وجودة، زار الكنز المعماري الأندلسي في جنوب إسبانيا، قصر الحمراء، وقبله مسجد قرطبة. لا ينسى المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي عُقد في مدينة النهر الكبير (قرطبة). بصمة من الشراكة بين الأديان التي أصبحت اليوم، بعد ما يقرب من 50 عاماً، مُستحيلة في المسجد بعد التسلسل الهرمي الكاثوليكي المحافظ. «إنه عمل خاطئ تماماً. لا يمكنك إنكار ما هو واضح»، كما يقول عبدالوهاب، فيما يتعلق بمحاولات أسقفية قرطبة الحاليين لمحو البصمة الأندلسية للمعبد الأموي
وفي هذا الأسبوع، عقد ثــيار اجتماعه السنوي التاسع تحت رعاية البعثة الدبلوماسية لجامعة الدول العربية في إسبانيا. الاجتماع عُقد في قاعة السفراء في البيت العربي في مدريد وحضره ممثلون دبلوماسيون عن فلسطين واليمن والكويت والسودان والعراق وتونس وأيضاً من وزارة الثقافة والرياضة
المقال حرر بعد محادثة هاتفية لمراسل صحيفة الخليج العربي في إسبانيا مع عبدالوهاب التونسي والذي قام بترجمته للعربية
قائمة انباء