الساعة المائية القمرية الاندلسية
أَبُو إِسْحَاقْ إِبْرَاهِيمْ بْنْ يَحْيَى اَلتَّجِيبِي اَلنِّقَاشِ (420 ـ 480 هـ، 1029 ـ 1087). المعروف بِابْنِ اَلزَّرْقَالَة وَالزَّرْقَالِي المستحدثة في لهجة العصر إلى «اَلزَّرْكَالِي» و «اَلزِّرِكْلِي» ويعرف في اللاتينية باسم «Arzachel» هو فلكي أندلسي، يصنف من بين أعظم راصدي الفلك في عصره، وواحد زمانه في علم العدد. بالرغم أن اسمه المعروف هو الزرقالي، إلا أنه على الأرجع أن يكون اللفظ الصحيح له هو الزرقالة. يُشتق اسم الزرقالي من الكلمة اللاتينية «أرزاشيل» التي تعني النقّاش.
Julián García Sánchez de Pedro junto a los baños de Yuso
أحدى التحديات لعلم الآثار في طُليطلة هو إثبات وجود موقع الساعة المائية التي بناها عالم الفلك الشهير الزرقالي على ضفاف نهر التاخو. وصف علماء العصور الوسطى هذه الساعة بأنها رائعة ومدهشة ولا مثيل لها في العالم، على الرغم من عدم وجود آثار موثوقة، فقد تأرجحت شهرتها بين الواقع والأسطورة
وقد تمكن الكشف عن اللغز أخيراً إذ ثبتت صحة فرضية عالم الآثار الطُليطلي خوليان غارثيا سانشيث دى بيدرو، والتي تم الكشف عنها في مؤتمر عقد مؤخراً حول المياه في طُليطلة، والذي بموجبه يشير اكتشاف نبع دورة هيدرولوجية غريبة في منطقة «لاس تينيرياس» إلى احتمال أن يتم توفير نظم الساعة المائية بواسطة طبقة المياه الجوفية هذه ويفسر التشغيل الغامض للمطحنة، التي أثارت آليتها اهتمام الخبراء منذ العصور القديمة
أدق وصف لساعة الزرقالي المائية يعود للعالم الجغرافي من غرناطة الزهري (المتوفى 1137)، الذي حرر تقرير دون ادخار الثناء على الزرقالي: «ما هو رائع ومدهش في طُليطلة، لدرجة أننا لا نعتقد أنه يوجد في العالم كله او في أي مدينة تساويها في هذا، هما وعاءان من الماء صنعهما عالم الفلك الشهير أبو القاسم بن عبد الرحمن، المعروف باسم الزرقيل. ويقول: إن الزرقالي بصناعته هذه البارعة والعبقرية، يعرف الناس من خلالها الوقت والنهار من الليل، ويمكنهم حساب اليوم القمري. لهذا الغرض، صنع بركتين كبيرتين في منزل في ضواحي طُليطلة، على ضفاف نهر تاخو، ليس بعيدا عن . المكان المسمى بوابة الدباغين، وجعلهما مملوئين بالماء أو أفرغهما تماماً، وفقا لمراحل القمر. وتمضي وثيقة الزهري لتوضح أنه «بمجرد ظهور الهلال الجديد، بدأت المياه تتدفق في البرك عن طريق قنوات غير مرئية، بحيث كان هناك نصف سبع المياه عند الغسق في اليوم التالي. وبهذه الطريقة زادت المياه في البرك، ليلا ونهارا، بمعدل نصف سبع لكل أربع وعشرين ساعة، حتى في نهاية الأسبوع كانت البرك نصف ممتلئة بالفعل، وفي الأسبوع التالي كانت ممتلئة تماما، لدرجة فيضان المياه. ثم، من ليلة 15 من الشهر، عندما بدأ القمر في التقلس، انخفضت مياه البركة أيضا بمعدل نصف سبع لكل يوم، وفي اليوم 29 من الشهر كانت البرك فارغة تماماً
كان الفضول الذي أثارته القطعة الأثرية الرائعة لساعة الزرقالي المائية بين علماء العصور الوسطى، على ما يبدو، سبب تدميرها، ووفقا للزهري نفسه، طلب عالم فلك يهودي يدعى هاميس بن زبارة من الملك ألفونسو الثامن السماح له بتفكيك إحدى البرك من أجل دراسة آليتها، مما يعني خرابها النهائي لأن الرجل «الحكيم» كشف عن نفسه في النهاية غير قادر على إعادة تكوينها
حدث اكتشاف النبع الذي من المفترض أن يوفر المياه للساعة منذ بعض الوقت نتيجة للحفريات التي أجراها في المدابغ فريق علماء الآثار المكون من خوليان غارثيا وفرانسيسكو ميغيل غوميث وخافيير بيسيس وإيزابيل كورال، وتحديدا في المنطقة المسماة هويرتا دي لا ألكورنيا، بجوار بقايا الحمامات العربية في يوسو. عند الشروع في استخراج التراب، لاحظ علماء الآثار أنه في أيام محددة فاضت المياه على مستوى المساحة المحفورة، مما أدى إلى إغراق برك الدباغة تدريجيا حتى امتلأت. وعلى الرغم من تركيب نظام إخلاء بالضخ، فقد ثبت أنه غير كاف حيث استمرت المياه في التدفق إلى مستوى ثابت؛ من ناحية أخرى، من يوم معين، بدأت المياه في تقليل ارتفاعها تدريجيا، تاركة البرك فارغة
سرعان ما ربط فريق علماء الآثار هذا التدفق الغريب للصعود والنزول بوصف ساعة الزرقالي المائية، التي امتلأت بركها، وفقا لنص الزهري، وأفرغت فيما يتعلق مراحل القمر
عنصر آخر موات للفرضية التي تسعى إلى ربط المكان المكتشف لساعة الزرقالي المائية، هو أنه يقع في المنطقة التي تحدد فيها وثيقة الزهري موقعها: «في منزل على مشارف طُليطلة، على ضفاف نهر تاخو، ليس بعيدا عن بوابة الدباغين وقال خوليو بوريس، في كتابه تاريخ شوارع طُليطلة، إنه «تم اكتشاف مؤخرا (في عام 1973) عند سفح سان سيباستيان وبالقرب من النهر، أنقاض مبنى قديم، ربما جزء من باب أداباكوين أو ربما بقايا لساعة الزرقالي المائية الشهيرة من جانبها، نشرت الباحثة كلارا ديلغادو في كتابها طُليطلة الإسلامية (1987) معاييرها المتعلقة بموقع لساعة الزرقالي المائية في نفس المنطقة، ويزعم أنها تربطها ب «نقطتين محتملتين لتركيبها: واحدة منها يمكن أن تؤدي إلى جعلها تتزامن مع مبنى في حالة دمار تقع في طرق سان سيباستيان، واحتمال آخر من شأنه أن يجعلنا نفكر في بستان القوريانا، الذي تم توثيقه في تواريخ لاحق، ووصفه بأنه بستان رائع ومكان للترفيه عن السكان، وبالتالي تأييد بقاء بعض التقاليد السابقة التي تم توثيقها، وربما هي لساعة الزرقالي المائية
فرضية رائعة
إذا تم إثبات علاقة النبع مع ساعة الزرقالي المائية علمياً، فسنواجه أحد أكثر إنجازات علم الآثار في طُليطلة والضي له إثارة للاهتمام في الآونة الأخيرة، حيث يحول هذا المكان على ضفاف نهر تاخو إلى محور جذاب ثقافي وسياحي
الزرقالي أهم عالم فلك في تاريخ إسبانيا، حيث تم تكريس مساهماته في العلوم الفلكية في عام 1935 مع تكريس اسمه لفوهة قمرية قطرها 96 كيلومترا في وسط الوجه المرئي للقمر، بمبادرة من الاتحاد الفلكي الدولي
من يتلقى على سطح القمر الإشادة الدولية بمزاياه العلمية، يستحق أن يمتلك على شاطئ التاخو اعترافا مشابهاً، وربما إعادة إنشاء ساعة الزرقالي المائية الشهيرة، تلك التي، على حد تعبير الجغرافي الغرناطي الزهري، كانت شيئاً رائعاً ومدهشاً … أننا لا نعتقد أنه يوجد في كل العالم المأهول أي مدينة موازية له في هذا المضمار
قائمة انباء