نزار قباني من قصر الحمراء في غرناطة
نزار قباني من مواليد 21 آذار (مارس) 1923، ولد في دمشق ، سوريا، وهو من عائلة برجوازية ذو مستوى رفيع. تأثر بالشعر العربي وجاء تأثره من طرف أبيه فازدادت هذه الموهبة معه عبر الوقت. في طفولته، بين سن الخامسة والثانية عشرة ، انجذب نزار قباني إلى الرسم وفيما بعد، بدأ بتعلم الموسيقى ولكن بدرجة أقل من الرسم. ظهر اهتمامه بالشعر سنة 1939 وهو في رحلة مدرسية إلى إيطاليا، حيث قام بتأليف أول قصيدة له معبراً فيها عن اشتياقه لوطنه الأم سوريا. تخرج من كلية القانون والتحق بالسلك الدبلوماسي التابع إلى وطنه، ومن هنا أصبح لنزار قباني الحرية بالتنقل من بلد إلى آخر حيث سافر إلى مصر ولبنان وتركيا وبعد ذلك إنجلترا. وبعدها بدأ بتأليف العديد من قصائده خلال مسيرته في الخارج، حتى وصوله إلى إسبانيا، حيث زار اسبانيا كسائح سنة 1955. بدأ نزار قباني بالتعرف على مدن اسبانيا وبالأخص المدن الأندلسية منها وأهمها قرطبة وإشبيلية وغرناطة حيث لمس في منطقة جنوب الأندلس ماضياً كان يعرفه وحاضرًا يجهله فبدأ بالتعرف على كلا الوجهين في آن معاً. هذا الشعور الذي كان يزوال نزار قباني أصبح يمنحه مع الوقت نكهة خاصة انعكست على كتابته الشعرية بشكل واضح
وعاش نزار قباني في إسبانيا تجربة عاطفية ووطنية فريدة من نوعها. بالنسبة له إسبانيا هي عبارة عن الفرحة والسرور والدراما وعن النور والظلام كلهم في آن واحد. كل ذلك كان يتجسد في شعره الذي يحتوي على أبعاد الاشتياق والمأساة حيث يقدم شرحاً دراماتيكياً لنهاية الأندلس الماضي في غرناطة، الذي ما زال كان يراه في الوقت الحاضر في وطنه، وكان نزار قباني يعكس نفس أسباب فقدان ذلك الأندلس والتي يراها تتجلى وتتكرر في وقته الحاضر في وطنه سوريا
ومن الممكن الملاحظة في أبياته الشعرية الرائعة على النموذج السردي الذي اتبعه في قصائده الشهيرة التي يقرأ فيها قصص الأندلس، وخاصة تلك المتعلقة بمدينة غرناطة وبالأخص بقصر الحمراء
فيما يلي أبيات مأخوذن من ثلاثة قصائد معروفة له وهي: أحزان في الأندلس وأوراق اسبانية وغرناطة. يجدر الإشارة إلى أن هذه القصائد تم ترجمتها إلى لغات عديدة ومنها الإسبانية، والتي كانت بقلم البروفسور والأستاذ بيدرو مارتينيز مونتافيز
أحزان من الأندلس
…
لم يبقى في اسبانيا منا، ومن عصورنا الثمانية
غير الذي يبقى من الخمر… بجوف الآنية..
لم يبقى من قرطبة سوى دموع المئذنات الباكية
…
لم يبقَ من غرناطةٍ
ومن بني الأحمر… إلا ما يقول الراويه
وغيرُ «لا غالبَ إلا الله»… تلقاك في كلِّ زاويه
لم يبقَ إلا قصرُهم كامرأةٍ من الرخام عارية
تعيشُ –لا زالت- على قصَّةِ حُبٍّ ماضيه
…
مضت قرون خمسة … يا غالية
كأننا .. نخرج هذا اليوم من إسبانيه
ووفقًا لفيكتور موراليس ليثكانو، فإن مدينة غرناطة تلعب دوراً هاماً في مشاعر العرب بشكل عام، فهي أشبه بذكرى جميلة وحزينة لهم في نفس الوقت، وعلى الرغم من تلك الذكرة الأليمة على فقدان غرناطة، فإن جميع المسافرين العرب المتجهين نحو اسبانيا يقدمون على زيارة مدينة غرناطة بشكل متكرر. وبدوره يصف نزار قباني في قصيدة «أحزان من الأندلس» تلك المظاهر الطبيعية المستوحاة من الأندلس بالإضافة إلى سرده التاريخ ووصف أوجه الشبه مع الشعب الاسباني، كما ويطلق على الأندلس لقب «الفردوس المفقود«، الذي بنظره يُعد بمثابة خسارة عظيمة لبلاد الأندلس وذلك بسبب الفتنة التي نشبت وبدأت في زمن الطوائف في القرن الحادي عشر من سنة 1009 حتى 1031 والتي تتكر مرة تلو الأخرى في وقتنا الحاضر بين الشعوب العربية، كما وأن التاريخ يعيد نفسه
وفي قصيدة أخرى بعنوان «الأوراق الإسبانية»، لوحظ، كما يشير خوسيه أنطونيو غونزاليس ألكانتود، أن نزار قباني يُشَّبِه الأندلس على أنها امرأة اسبانية تستذكر جذورها العربية وتعبرعن استيائها وحزنها لبعدها ومفارقتها هذه الجذور وللمسافة التي نشأت بينها وبين جذورها
أوراق اسبانية
…
اللؤلؤ الأسود
شوارع غرناطة في الظهيرة … حقول من اللؤلؤ الأسود
فمن مقعدي … أرى وطني في العيون الكبيرة
أرى مئذنات دمشق مصورة … فوق كل ضفيرة
…
دونيا ماريا
تمزقني دونيا ماريا … بعين أوسع من باديه
ووجه عليه شموس بلادي … وروعة آفاقها الصاحية
فأذكر منزلنا في دمشق … ولثغة بركته الصافية
ورقص الظلال بقاعاته … وأشجار ليمونه العالية
وباباً قديماً نقشت عليه … بخط رديء.. حكاياتيه
بعينيك.. يا دوينا ماريا … أرى وطني مرة ثانية
وأخيرًا ، يُلمح نزار قباني في قصيدته «غرناطة» إلى ذكرى مدينة دمشق، مسقط رأسه، التي يراها في مدينة غرناطة، ويرى ارتباطًا ثابتًا بين كل من مدينته دمشق ومدينة غرناطة، وبقي هذا الارتباط مرسخ في ذهنه ومشاعره بشكل دائم
وبعد زيارته لقصر الحمراء في غرناطة، عبّر نزار قباني عن مشاعره الحقيقية تجاه مدينة غرناطة التوأمة لمدينة دمشق بنظره. فبدأ بسرد لقاءه الغير متوقع مع امرأة أندلسية سمراء ذات العيون السوداء عند مدخل قصر الحمراء. وفي حديث جرى بينه وبين هذه المرأة الأندلسية، قامت هذه المرأة بالتأكيد عن هويتها الغرناطية الاسبانية مدعية على أنها صاحبة هذا القصر أي قصر الحمراء، وملكة الروعة والعراقة الاندلسية دون معرفتها أن هذه الروعة وهذا الجمال ينتميان في أصولهم إلى الجذور العربية الدمشقية. وكان نزار قباني يتجول في قصر الحمراء ويسافر عبر القاعات الساحرة وعبر جنات العريف والبرك ويستذكر طفولته خلالها، تلك الطفولة التي قضاها في وطنه الأم، ويرى فيها الأصول الدمشقية المزهرة، كما ويرى دمشق في نفس وجه هذه المرأة الاندلسية الغرناطية. وفي آخر المطاف شعر نزار قباني بحزن شديد عندما تباهت هذه المرأة الاندلسية بالنقوش والأشعار العربية المحفورة والمكتوبة على جدران قصر الحمراء، مدعيّة أنها نقوش ترجع إلى أجدادها إضافة إلى طلبها منه بقراءة هذه النقوش، ويختتم نزار قباني قصيدته بإجابتها موضحاً لها أنها نقوش عربية تخصه هو نفسه وتعود إلى أجداده دون سواه
غرناطة
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا … ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان في حجريهما… تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ ساءلتها… قالت: وفي غرناطة ميلادي
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة… في تينك العينان بعد رقاد
…
ما أغرب التاريخ كيف أعادني… لحفيدة سمراء من أحفادي
وجه دمشقي رأيت خلاله… أجفان بلقيس وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم وحجرة… كانت بها أمي تمد وسادي
…
ودمشق أين تكون؟ قلت ترينها… في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي… ما زال مختزناً شموس بلادي
في طيب جنات العريف ومائها… في الفل، في الريحان، في الكباد
…
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي… وورائي التاريخ كوم رماد
الزخرفات أكاد أسمع نبضها… والزركشات على السقوف تنادي
قالت هنا الحمراء زهو جدودنا… فاقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نازفاً… ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت… أن الذين عنتهم أجدادي
عانقت فيها عندما ودعتها… رجلاً يسمى طارق بن زياد
اسمع القصيدة بصوت المغني الغير محترف المهدي خياط
ـ محرر المقالة ـ
الأستاذ بلال حمد ناجي، حاصل على إجازة في الترجمة التحريرية والشفوية من جامعة غرناطة في اسبانيا في اللغات التالية: العربية والإسبانية والإنجليزية، وحاصل على شهادة الماجستير في اختصاص الدراسات العليا في اللغة الإسبانية وبتعليم اللغة الاسبانية لغير الناطقين بها من كل من جامعة غرناطة ومالقة، وحاصل على شهادة ماجستير في الدراسات العليا في التاريخ الأندلسي والثقافة العربية والعبرية في الأندلس من جامعة غرناطة
عمل السيد بلال حمد ناجي في مجال الترجمة من اللغة العربية إلى الإسبانية ، وعمل كأستاذ لغة إسبانية للأجانب. وعمل في مجال الترجمة الفورية والتتبعية لدى المحاكم الاسبانية، ومارس مهنة الإرشاد سياحي في اسبانيا حيث كان يستقبل الوافدين إلى الأندلس ويقوم بجولات سياحية في العديد من المدن الاسبانية ومنها مدريد ومالقة وغرناطة واشبيلية وقرطبة ورندا وجبل طارق. وكدليل سياحي وكباحث أكاديمي في التاريخ، كان لدى السيد بلال حمد ناجي دائمًا فضول المعرفة والبحث الاكاديمي ونقل هذه المعرفة بشكل واضح وصحيح إلى الزوار العرب. ولذلك، كان يتوجب عليه إجراء دراسة بشكل موسع عن تاريخ إسبانيا خلال العصور الوسطى واستخراج النقاط الأساسية، بصرف النظر عن خبرته ومعرفته الجغرافية للعديد من المدن الأندلسية، حيث تمكن من تلبية احتياجات العديد من الزوار ومحبي الأندلس
قائمة انباء