إحياء 100 كيلومتر من السواقي بجريان المياه: الإرث الأندلسي من المرية إلى ألبانيا
ترجمة ثــيار
في ساقية كانيار (غرناطة)، تحقق مجموعة من المتطوعين المتحمسين معجزة بعد إزالة الأرض بمجارفهم: عند تنظيف المجرى، يرون المياه تجري في تربة التي كان يعتقد بالفعل أنها جافة مدى الحياة. لقد أحيوا ما فعله أسلافهم العرب في تلك الأراضي نفسها لمكافحة الجفاف وضمان ري حقولهم منذ آلاف السنين. حدث الشيء نفسه في مناطق أخرى من الأندلس – في غرناطة والمرية على وجه الخصوص – وكذلك خارج إسبانيا، حتى ألبانيا. كلها سيناريوهات حية لمشروع ولد في عام 2014 في جامعة غرناطة والذي ظهر قبل بضعة أيام على غلاف الطبعة الدولية لصحيفة نيويورك تايمز، «الحكمة القديمة» كميزة خاص
تقوم جامعة غرناطة، بالشراكة مع منظمات أخرى، بإجراء أبحاث ودراسات للمناطق التي كانت تجري فيها المياه منذ سنوات لحفرها وإحيائها، حتى تتمكن من التكيف مع تغير المناخ. «نحن نعمل على القيام بمهام الترميم والصيانة جنباً إلى جنب مع مجتمع الريّ، دائما مع الالتزام بأنهم سيقومون بعد ذلك بصيانته واستخدامه»، كما يقول البروفيسور خوسيه ماريا مارتين سيفانتوس، المؤرخ وعالم الآثار الذي يدير المشروع في جامعة غرناطة
إن الحكمة الزراعية منذ ألف عام هي أكثر سموا ورؤية مما يعتقد، في مواجهة المناخ غير المستقر للبحر الأبيض المتوسط، وجد أسلافنا الأندلسيون طريقة للاستفادة من المياه لتوزيعها بشكل أفضل، والوصول إليها على مدار العام وحتى مضاعفتها على المدى المتوسط والبعيد. وقد مكن الاتحاد من خلال المتطوعين والمتعاونين معه من استعادة حوالي 100 كيلومتر من السواقي في إسبانيا. بدأ هذا العمل في دراسة واستعادة أنظمة الريّ التقليدية منذ ما يقرب من 10 سنوات وتم بالفعل تحديد وجود 24.000 كيلومتر من السواقي. «هذا هو الحساب الذي نجريه من التحليل المكاني للمناطق المروية التقليدية الموثقة. لقد تم التخلي عن العديد منها أو تم تحويلها من خلال عمليات التقنيين والتصنيع، خاصة في المرية»، يوضح البروفيسور مارتن سيفانتوس، كما ويوضح أن السواقي: تحدد الحدود الإدارية بين المدن والبلديات والمحافظات. كل واحد يمثل نظام ريّ خاص به
أثئكيا -من العربية الساقية- هي قناة على سطح الأرض تنقل المياه إلى نقاط مختلفة للريّ. وقع الكثير منها في الإهمال في الستينات من القرن الماضي عندما تحولت إسبانيا إلى نموذج زراعي يفضل السدود الكبيرة لتخزين المياه، بما ودفع العديد من سكان المناطق الريفية للهجرة إلى المدن، تاركين العديد من المناطق في حالة نسيان ودون نقل المعرفة الزراعية التقليدية التي جلبت المياه إلى كل ركن من أركان الأندلس
ساقية كانيار (غرناطة)، هنا حيث تم العثور على الساقية المهجور. ميمولاب
الماء هو الحياة وبدونه، فإن الإنسان محكوم عليه بالفناء. إن احتمال انقراض هذا الذهب السائل يقلق، قبل كل شيء، في المناطق الجافة. المرية هي واحدة من تلك المدن الأكثر جفافاً. قلة هطول الأمطار على مدار العام تجعل التربة جافة وبدون نباتات. في بلدة سورباس، في المرية، عملت جامعة غرناطة على استعادة نبعة لوس كانيوس، الذي تغذي سيمبرا، وهو سيل تصريف مياه رامبلا. «نافورة كانيوس التاريخية». من هناك تم توفير أحد أنظمة الريّ فيه، تشرح الدكتورة إيلينا كوريا، الباحثة في مختبر علم الآثار البيولوجية الثقافية التابع لجامعة غرناطة والمسؤولة عن العمل مع المتطوعين
كانت نبعة سورباس جافة لسنوات بسبب عدم الصيانة. وفقا لتفاصيل من جامعة غرناطة، فقد تأثرت في السنوات الأخيرة ب «الآثار الضارة للاستغلال المكثف لطبقات المياه الجوفية دون مراقبة هيدروجيولوجية كافية وممارسات إنتاج زراعي مكثف». أنظمة التدعيم هذه، مثل في بلدة سورباس، شائعة في جنوب شرق شبه الجزيرة الإيبيرية. «فقط في المرية هناك أكثر من 200 موقع موثق. العديد منها من العصور الوسطى وتعمل منذ عدة قرون، مما يدل على الاستخدام المستدام للموارد. وقد ارتبط بنائه وإدارته بالمعرفة البيئية المحلية المتوارثة، والتي شملت أيضاً المياه الجوفية
يشير عالم الآثار سيفانتوس إلى أن المنطقة الأكثر جفافا ستكون تلك الموجودة في منطقة تابيرناس، حيث يوجد جزء يتم فيه الحفاظ على بعض السواقي، ولكن قبل كل شيء هناك أنظمة جمع المياه، ومسالك الصرف، ومخازن تحت الأرض التي تلتقط المياه من طبقات المياه الجوفية لسنوات عديدة. أجرت جامعة غرناطة دراسات تاريخية أثرية في سييرا نيفادا (غرناطة). يتعلق الأمر بصنع نموذج أكثر كفاءة، كما يوضح البروفيسور مارتن سيفانتوس: عندما نتحدث عن الكفاءة نراهن أن الناس يفهمون أنه ليس من الضروري فقط قياسها في الإنتاجية، ولكن من الوظيفة، من كل تلك الخدمات للنظام الزراعي، وينبغي أن تستند السياسات الزراعية إلى تعدد الإستخدام. الشيء الأكثر أهمية ليس فقط إنتاج الغذاء والمواد الخام ولكن تحسين الخدمات بأكملها
يمتد مشروعنا إلى المناظر الطبيعية الجبلية المتوسطية، ولنا الطموح إلى ما وراء حدودنا، وتحديداً في وادي نهر آووس ألبانيا وجبال طرابنش وتلال يوجانيان (الواقعة في إيطاليا). الهدف هو دراسة المياه والتربة في هذه المناطق لتحسين طرق استخراج واستخدام الموارد دون الإضرار ببيئتها الطبيعية، تماماً كما فعل أسلافنا الأندلسيين
كما لو أن ذلك لم يكن كافياً، فهي تساعد في مكافحة تغير المناخ ومنع الكوارث البيئية. على سبيل المثال، تمنع الحرائق عن طريق تقليل فترات انخفاض المياه وخفض درجة الحرارة وزيادة الرطوبة. من ناحية، وتعمل كجدران حماية وتسهل عمل إطفاء النيران. ومن ناحية أخرى، فإنها تقلل من التآكل والانهيارات الأرضية من خلال الحفاظ على غطاء نباتي جيد. كل هذا مع الحد الأدنى من البصمة الكربونية
بالإضافة إلى ذلك، فهي جزء من نظام الاقتصاد الدائري الطبيعي، دون إنتاج النفايات ومع اعتماد تكنولوجي وطاقة ضئيلة. كما يلخص مارتن سيفانتوس: «فهي نماذج منتجة أثبتت أنها مستدامة وأكثر مرونة مع قدرة كبيرة على التكيف مع التغيير على مدى ألف عام على الأقل، ودون الإفراط في استغلال الموارد». ويتابع قائلا: على النقيض من النموذج الصناعي والواسع النطاق الذي يستنفد الموارد، وخاصة المياه، ولكن أيضا التربة، التي لها آثار بيئية عالية وغير مستدامة على المدى المتوسط
من جامعة غرناطة يذكرون أسباباً متعددة للحفاظ على الريّ التاريخي والتقليدي: أولاً، يسمح بالحفاظ على المساحات الزراعية والطبيعية، وتجديد التربة، والحفاظ عليها خصبة وتنظيم ملوحتها. ثانياً، ينظم الدورات الهيدرولوجية، ويزود الإنسان بمياه الشرب ومياه الريّ، ويزيد من فترة الدوام والتوافر في الحوض من خلال التسرب ونظام عودة الريّ. في المقابل، إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية والينابيع باستراتيجيات زراعة وجمع المياه
يزيد الريّ التقليدي من إنشاء المحاصيل والمراعي والنظم الإيكولوجية الأخرى لصالح إنتاج الغذاء في المناطق. وفي الوقت نفسه، يعزز التماسك الاجتماعي من خلال التوزيع العادل للمياه بين جيران سكان الريف. أخيراً، وبنفس الأهمية، يعد النظام التاريخي جزءاً من التراث التاريخي والثقافي لإسبانيا. إنه عنصر أساسي لفهم المناظر الطبيعية والهوية المحلية للإقليم. لقد أضر التخلي عن الأنظمة التقليدية بالبيئة. تقول إيلينا كوريا: «لقد اكتشفنا أنه أدى إلى حدوث حالات جفاف كبيرة بسبب التغير المناخي، حيث لم يتم إنشاء أنظمة الريّ الخصبة هذه»، وتشير إلى: أن حقيقة استعادة هذه المساحات أفادت الشعوب، الأشخاص الذين استخدموها لسنوات عديدة، لتنظيم دورة المياه، ومن استعادة تلك المياه، زادت تدفقات الأنهر
نخلص إلى
الجفاف وتغيرات المناخ
إن آثار الجفاف وتغير المناخ وقلة الوعي بأهمية العناية بالبيئات الطبيعية هي حقائق مثيرة للقلق. ومع ذلك، فإن أنظمة الريّ التاريخية هي مثال على قدرة الإنسان على التعديل والتكيف. ويخلص مروج المشروع إلى أن نرى أن هناك طريقة للتحسين دون تدمير النظام، ليس فقط لأنها تجمل المناظر الطبيعية، ولكن لأنها ضرورية في السياق الحالي للأزمة البيئية
قائمة انباء